وكالة أنباء الإمارات – مواقع العين الثقافية والأثرية .. إرث معرفي للأجيال القادمة
من / محمد العامري.
العين في 20 أكتوبر / وام / انطلقت منذ خمسينيات القرن الماضي أول بعثة
استكشافية للتنقيب على الآثار في منطقة العين والتي أشرف عليها الوالد
المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” رجل
التراث وحاميه معبراً عن أهمية التراث الثقافي في مقولته، ” ترك لنا
الأسلاف من أجدادنا الكثير من التراث الشعبي الذي يحق لنا أن نفخر به
ونحافظ عليه ونطوره ليبقى ذخراً لهذا الوطن وللأجيال القادمة”، باعتباره
الامتداد للوجود الإنساني والركيزة الأساسية للانطلاق للمستقبل من إرث
ثقافي وتراثي يجسد العلاقة بين الأجيال وبين الانسان والأرض.
وفي هذا الإطار فقد صادقت الدولة على اتفاقية 1972 لحماية التراث
العالمي الثقافي والطبيعي التي أقرتها اليونسكو مما يعكس اهتمام دولة
الإمارات بالتراث الثقافي وحمايته وصونه والترويج له لضمان نقله للأجيال
القادمة، لتحتفل الدولة بمرور خمسين عاماً على قيام اتحادها محققة
إنجازات كبيرة وفريدة مع تمسكها بأصالتها وعاداتها المستمدة من الثقافة
الإماراتية.
وأكد عبد الرحمن راشد النعيمي رئيس قسم مواقع التراث العالمي بدائرة
الثقافة والسياحة في أبوظبي، أن الدائرة تعمل على تنظيم القطاع الثقافي
لإمارة أبوظبي وتطويره، عبر الترويج لإرثها الثقافي ومعالمها السياحية
والطبيعية المتنوعة، من خلال إستراتيجية سياحية شاملة للمحافظة على
إرثها التاريخي ومواقعها الثقافية عبر مشاريع الترميم والتوثيق المستمرة
لهذه المواقع، بما يتماشى مع أهداف ورؤية أبوظبي 2030، وذلك بهدف بناء
مجتمع ثقافي يلعب دوراً محورياً في صون التراث الثقافي وحفظ القيم
الأصيلة لمجتمع إمارة أبوظبي بالتنسيق مع كافة الأطراف المعنية
والشركاء.
وأوضح أنّ منطقة العين تحتوي على الموقع الإماراتي الوحيد المدرج
ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي على مستوى الدولة والمسجلة كممتلك
ثقافي متسلسل يتكون من 17 موقعاً بما في ذلك واحاتها الست والمواقع
الأثرية في هيلي وجبل حفيت وبدع بنت سعّود التي تعد شاهدة على وجود
مجتمعات وحضارات تمتد منذ العصر الحجري الحديث قبل 8 آلاف عام تقريباً
وتعتبر مخزوناً معرفياً للأجيال القادمة والرابط الوثيق للانتماء للوطن.
ولفت النعيمي إلى إدراج مواقع العين الثقافية “حفيت، هيلي، بدع بنت
سعّود، ومناطق الواحات” في عام 2011 خلال الدورة الخامسة والثلاثين
للجنة التراث العالمي التي عقدت في مقر اليونسكو بباريس، حيث أكدت لجنة
التراث العالمي على استيفاء المواقع الإماراتية لثلاثة من المعايير
الثقافية التي قدمت شواهد استثنائية على تطور الثقافات وتعاقبها منذ
فترة العصر الحجري الحديث وما تلتها من فترات استمرت إلى الاستيطان
البشري حول الواحات واستدامته حتى يومنا هذا، وأيضاً من خلال إسهامات
المدافن والمستوطنات الأثرية المكتشفة لثقافات حفيت، وهيلي وأم النار في
تعميق معرفتنا بالتطور البشري خلال فترات العصر البرونزي والحديدي في
شبة الجزيرة العربية.
بدورها أكدت لبنى الطنيجي مدير قسم التواصل والتوعية في دائرة
الثقافة والسياحة – أبوظبي : أن الدائرة تقوم بمجموعة من البرامج
والفعاليات الثقافية والفنية لفئة الشباب وطلبة المدارس من مختلف
مستوياتهم الدراسية بهدف تعريفهم بتراث وثقافة إمارة أبوظبي، ومن أهم
هذه البرامج الزيارات الميدانية للمواقع والأماكن التراثية في إمارة
أبوظبي متضمنة مواقع منطقة العين وذلك للتعرف على دور الآباء والأجداد
في بناء ماضي الإمارات الذي شكل مقدمة للحاضر بإنجازاته الواسعة
والمستقبل بكل آماله وتطلعاته، وممّا يجعل هذه الزيارات ذات جدوى
تعليمية ومهاريّة ومعرفية حسب الدراسات والخطط الموضوعة للاستفادة من
هذه الزيارات لما يصاحبها من ورش عمل، وتعلم مباشر يدعم محتوى المناهج
الدراسية ويثري خبرات الطلبة.
وأضافت الطنيجي أن برامج الدائرة تشمل جولات طلابية ميدانية
للمتاحف في منطقة العين التي تتميز بأهميّة خاصة باعتبار المتحف يحاكي
الماضي لما يحتويه من معروضات وأدوات وآثار تعكس ممارسات وأنماط حياة
الإنسان في هذه المنطقة، لتساهم في نقل المعرفة للطالب بالتاريخ الحضاري
للدولة وتعزز لدى الطلبة فرص التعلم المباشر، كما تنمي لديهم الشعور
بالانتماء لتاريخهم وما قام به الأسلاف لحاضرهم ومستقبلهم.
وأوضحت بأن الدائرة تساهم في إثراء المناهج الدراسية التي تتضمن
عناصر التراث المسجلة لدى اليونسكو، من بينها مواقع التراث في منطقة
العين والتراث المعنوي مثل الصقارة والعيالة والتغرودة والعازي والقهوة
العربية والمجالس والنخلة لتساهم هذه العناصر في خلق معرفة بالموروث
الثقافي الأصيل لدولة الامارات لدى الطالب بالإضافة إلى دورها في ربط
الحاضر بالماضي وتنمية الهوية الوطنية لدى الطالب.
وأشارت إلى أن برنامج “موهبتي” الذي تديره الدائرة بالتعاون مع
دائرة التعليم والمعرفة يشكل قفزة نوعية في مجال الفنون المرئية وفنون
الأداء وذلك لربط التعليم بالتراث وتنمية مواهبه الطلبة وإبداعاتهم، حيث
تخصص العديد من المراكز الموزعة في إمارة أبو ظبي مئات الطلبة الموهوبين
في الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي والتصميم الجرافيكي واليولة
والعزف على مختلف الآلات الموسيقية وفنون المسرح الدراما والباليه.
وضمن استراتيجية الدائرة في استشراف المستقبل أكدت لبنى الطنيجي أن
الدائرة تعمل على عدة مشاريع مستقبلية بالتعاون مع مؤسسة الإمارات
للتعليم المدرسي وذلك ضمن مشروع “سفراء السياحة” بهدف إعداد وتطوير
مهارات قادة المستقبل من الأطفال في فن الخطابة، والبروتوكول، وفنون
التواصل والترويج السياحي للمواقع التاريخيّة والتراثية والثقافية، وذلك
للمساهمة في تطوير مهارات مجموعة من الأطفال القادرين على تمثيل دولة
الإمارات في المحافل الدولية حتى يكونوا نموذجاً لأجيال المستقبل.
كما تتبنى الدائرة برامج متنوعة ومتخصصة لإشراك الطلبة ولفئة أصحاب
الهمم في برامجها وفعالياتها من بينها، مهرجان الحرف والصناعات
التقليدية في سوق القطارة الذي يُعد منصة مثالية وبيئة تعليمية أو صفية
يستطيع الطلبة من خلالها تعلم الكثير عن الحرف التقليديّة والألعاب
الشعبيّة والصقارة وآداب المجلس والسنع والطقوس والتقاليد المصاحبة
لإعداد القهوة وتقديمها، وخصائص البيت الإماراتي التقليدي مما يساعدهم
على الممارسة العملية لهذه الحرف والممارسات الشعبية لتكون عادة من
عاداتهم ينقلون معرفتها مع أصدقائهم وأقاربهم وأبنائهم في المستقبل.
وتندرج مواقع العين الثقافية الـ 17 ضمن أربعة تجمعات رئيسية حسب
مواقعها الجغرافية وفتراتها وخصائصها التي تتبعها 76 مكوناً فرعياً،
أولها تجمع “مواقع جبل حفيت” الذي يحتوي على “مدافن جبل حفيت ” المكتشفة
بمحيط الجبل وسفوحه لتسرد حياة الناس الذين عاشوا بهذا الجبل والتقاليد
الجنائزية التي تعود إلى ما بين 3200 و 2700 قبل الميلاد، بالإضافة إلى
التجمع الثاني “مواقع هيلي” والتجمع الثالث” بدع بنت سعّود” في منطقة
هيلي وشمالها باعتبارهما أهم المواقع الأثرية من العصر البرونزي
والحديدي في دولة الإمارات والمنطقة لكشفهما عن المستوطنات والمدافن
والآف القطع الأثرية التي تصور لنا كيف عاش المجتمع القديم في هذين
العصرين، ويوضحان لنا أيضاً تاريخ نظام الأفلاج الذي تم العمل به منذ
الألفية الأولى قبل الميلاد باعتباره شهادة على إدارة المياه في المناطق
الصحراوية.
كما يشمل التجمع الرابع “مناطق واحات منطقة العين”، واحة العين وهي
أكبر واحات منطقة العين، بالإضافة إلى واحة المعترض والقطارة والجيمي
وهيلي والمويجعي لتشكل هذه الواحات مكون مهم للمشهد الثقافي للمدينة
الشاهدة على تطور الاستيطان البشري حول واحات العين التي تتضمن معظم
المباني التاريخية المهمة في العين مثل التحصينات الدفاعية، والبيوت
التراثية، والمساجد التاريخية، كما أن العادات والتقاليد والتراث الغير
المادي المرتبط بالواحات لا تزال قائمة باعتبارها أنشطة مهمة مرتبطة
بهذا المجتمع.
وام/محمد العامري/عبدالناصر منعم/أحمد البوتلي