الذكاء الاصطناعي يتسلل إلى عالم الاقتصاد
أوليفر رويدر
خلال الأشهر القليلة المقبلة، يمكنك أنت وحاسوبك وضع خطة لإنقاذ الكوكب. إنه كوكب اصطناعي وهمي، بالتأكيد، لكنه يحاكي الاقتصاد والجغرافيا السياسية والمناخ في عالمنا الحقيقي. وربما يثبت قريبا أن أفكارك مفيدة بشأن ارتفاع درجات حرارة الأرض.
تم إطلاق “الذكاء الاصطناعي من أجل التعاون العالمي بشأن المناخ” الشهر الماضي، وهي مسابقة نظمها معهد ميلا “معهد للذكاء اصطناعي في كيبيك” وشركة سيلز فورس للأبحاث. تقوم المجموعة التي تعمل في التقاطع بين الذكاء الاصطناعي والاقتصاد، بطلب المشاركات في شكل اتفاقيات مناخية جديدة وبروتوكولات تفاوض.
الاقتصاد الأكاديمي مشروع متحفظ عموما، لكن الذكاء الاصطناعي بدأ يتخلل فيه ببطء. بدلا من تدوين وحل النماذج الرياضية الرسمية الموثوقة، مع الفرضيات والصعوبات التي تتأتى معها، قد يسمح الذكاء الاصطناعي للاقتصاديين بإلقاء جميع مكوناتهم في خليط محاكاة واكتشاف النتائج.
عندما يتعلق الأمر بإنقاذ الكوكب، سيتم توصيل هذه المكونات بـ”نموذج تقييم متكامل متعدد المناطق” يسمى آر أي سي إي-إن RICE-N، وتتم معايرته وفقا لأحدث بيانات العالم الحقيقي. وسيغير كل مقترح العالم المحاكى بطريقة ما، لأن وكلاء الذكاء الاصطناعي التابعين له سيهتمون بمصالحهم الذاتية. وسيتم فحص درجة الحرارة الوهمية، وسيتم إعلان الفائزين. لكن هذا ليس نهاية العمل.
بحسب ستيفان زينج، عالم أبحاث في سيلز فورس وأحد منظمي المسابقة، “هذه المنافسة هي مجرد وسيلة للمجتمع لتجربة كثير من الحلول الجديدة بسرعة”. إذا اجتاز العمل التقييم الأخلاقي وتقييم الأقران “يمكننا البدء في التفكير في توصيل هذه النتائج إلى عالم صنع السياسات، إلى المناخ الحقيقي”.
ديفيد باركس، عضو في لجنة تحكيم المسابقة، يشير إلى إمكانية “القيام بأشياء يصعب القيام بها بشكل تحليلي”، مضيفا أن “النماذج الاقتصادية تميل إلى أن تكون منمقة بشكل كبير – وربما يمكننا الاقتراب من المشكلة الحقيقية باستخدام الذكاء الاصطناعي”.
المشكلة الاقتصادية الحقيقية في هذه الحالة هي تغير المناخ. لكن من الممكن لنهج مشابه أن يسلط الضوء على تحديات معقدة أخرى للاقتصاديين – كالسياسة الضريبية، أو تصميم العقود، أو الصفقات التجارية، أو سلاسل التوريد.
المزايا كثيرة. فقد يكون وكلاء الذكاء الاصطناعي قادرين على القيام ببعض الأعمال الصعبة من أجلنا، مستعينين بمقترحاتنا واستنتاجاتهم. هذه المزايا تعني أيضا أننا إذا أفسدنا الأمور، لن نتسبب في انقراضنا. دع المحاكاة تتصارع مع الأعمال الصعبة المتمثلة في علوم الأرض والأرصاد الجوية والاقتصاد الكلي والسياسة الدولية والمصالح الوطنية.
يأخذ “الذكاء الاصطناعي من أجل التعاون العالمي بشأن المناخ” -ربما تستطيع خوارزمية اختراع اسم أكثر حذاقة- أساسه من مشروع الذكاء الاصطناعي السابق في مجال الاقتصاد، حيث يتجول مواطنو الذكاء الاصطناعي حول عالم رقمي ثنائي الأبعاد من المنازل والعملات والأخشاب والحجارة. وتعمل حكومة الذكاء الاصطناعي كعين ساهرة، بهدف زيادة الإنتاجية والمساواة، وتتعلم أثناء عملها عن سلوكيات دائرتها الرقمية والاستجابات للسياسات الجديدة، كالتغييرات في نسبة ضريبة الدخل.
هناك آمال في أن التأثير المتزايد للذكاء الاصطناعي في الاقتصاد قد يعالج أيضا ثلاث صعوبات ملحة في هذا المجال. الأولى هي العدد الهائل من الأشخاص الموجودين، بكل اهتماماتهم المختلفة. فبالنسبة إلى قابلية التتبع، في الأغلب ما يفترض الاقتصاديون وجود “وكيل ممثل” أفلاطوني، أو ببساطة يتجاهلون حقيقة أن عديدا من الأشخاص الحقيقيين يشكلون العالم الحقيقي. ومع قوة حاسوبية كافية، ربما يمكنك محاكاة هؤلاء الأشخاص.
ثانيا، الحواجز اللوجستية والسياسية والمالية الموجودة عندما يتعلق الأمر بالتجربة. فليس من المعقول في كثير من الأحيان اختبار سياسة تتعلق بفرض ضريبية على الحيوانات الأليفة، أو برنامج اجتماعي، أو اتفاقية دولية في العالم الحقيقي. لكن من السهل جدا تغيير قوانين ومعايير كوكب اصطناعي.
العقبة الأخيرة هي معضلة في قلب نظرية اللعبة “وهي دراسة النماذج الرياضية الخاصة بالتفاعلات فيما بين العناصر”. فلا يعني أن الجهات الفاعلة الفردية ستلتزم بالاتفاقيات لمجرد أنها أمر رائع للجماعة، أو للمناخ – وهي النتيجة المركزية لمعضلة السجين “وهي مشكلة تتمثل في اتخاذ قرارات من قبل الأفراد المخولين بذلك وتكون غير مثالية للأفراد الآخرين كجماعة”. فلا يمكن لأي سلطة بمفردها فرض الصفقة الأنسب، لذا يجب تأييد الاتفاقيات الناجحة – بما فيها اتفاقيات المناخ – عبر سقالة من الحوافز الداعمة. وربما يمكن لمحاكاة ما اختبار عديد من هذه السقالات المحتملة دون المخاطرة بانهيار كل شيء.
لكن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه حل المشكلات الأكثر أهمية في الاقتصاد – أو أي شيء آخر – بمفرده. أكثر المشكلات إثارة للاهتمام متعددة التخصصات وتتطلب حكمة تتجاوز النماذج والخوارزميات. في النهاية سيحتاج الأشخاص الحقيقيون إلى المصافحة وتوقيع الاتفاقيات وتمرير القوانين. وفي مرحلة ما، سيحتاج البشر إلى المشاركة.