قراءة في تقنية الذكاء الاصطناعي
أ. د. عصام بن عبدالعزيز العمار
كانت القمة العالمية للذكاء الاصطناعي التي أقيمت في الأسبوع الماضي تحت رعاية ولي العهد، وتنظيم وإشراف الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا” في الرياض، حدثا فريدا غير مسبوق. وأكدت القمة اهتمام القيادة الرشيدة وحرصها على الاستفادة من هذا القطاع الحيوي لتحقيق متطلبات التنمية وتعظيم مخرجاتها. وشاركت في القمة القطاعات ذات العلاقة بالذكاء الاصطناعي، مثل: الصناعة والطاقة والصحة والنقل والاتصالات وتقنية المعلومات والخدمات اللوجستية وغيرها، مع الإحاطة أن الصناعة التحويلية تستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي بصورة أكبر عن بقية الصناعات الأخرى على المنظور العالمي. ويطلق على الذكاء الاصطناعي مسمى “الكهرباء الجديدة”، لأن كل صناعة تحول توجد قيما اقتصادية ضخمة، كما هو الحال مع الكهرباء مجازا. ويتجه العالم نحو تمكين اللحظات الرقمية من خلال تسخير الذكاء الاصطناعي للتحليلات في الوقت الفعلي، التي تمثل الأقرب إلى مصادر البيانات. كما تتوقع جارتنر، وهي شركة أمريكية تعمل في مجال الأبحاث والاستشارات التقنية، أنه بحلول 2025 سيحدث أكثر من 50 في المائة من جميع تحليلات البيانات بوساطة الشبكات العصبية الاصطناعية العميقة Deep Artificial Neural Network. ومن المتوقع أن الذكاء الاصطناعي سيرفع كفاءة الشركات بنسبة تصل إلى 40 في المائة، ولذلك ارتفع عدد الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي 14 مرة منذ 2000. إن عديدا من الأنشطة الاقتصادية، مثل التسوق الإلكتروني والتسويق وتصفح الإنترنت والمساعدين الافتراضيين وبرامج الترجمة والمنازل الذكية والبنى التحتية والصحة والنقل والتصنيع، تستخدم الآن تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لكن هناك شكوكا وهواجس حول ما إذا كانت الموارد الحالية ستكون كافية لتلبية توقعات العملاء المتغيرة باستمرار أم لا.
قبيل الحديث عن دهاليز الذكاء الاصطناعي التي تستحق مقالات عديدة، دعونا نستقرئ ونستشف بعض جوانب التقنية ذاتها. من المعروف علميا أن الذكاء الاصطناعي ينقسم إلى ثلاثة أنواع، فالأول هو الذكاء الاصطناعي ذو الهدف المحدد مثل التنبؤ والمراقبة والتحقق وغيرها، ولديه نطاق ضيق من القدرات والوظائف، وهذا مشاهد ومطبق على نطاق واسع، ويشار إلى هذا النوع بالذكاء الاصطناعي الضيق. النوع الثاني هو الذكاء الاصطناعي العام، الذي يتمتع بقدرات أكبر كما هو الحال في الذكاء البشري، وهذا ما تطمح إليه البشرية، وهو عملية محاكاة عمليات الذكاء البشري بوساطة تعلم الآلة Machine Learning من خلال أنظمة الحاسب الآلي. والجدير بالذكر أن شركة IBM تستحوذ على حصة جيدة من سوق منتجات وخدمات الذكاء الاصطناعي، وقد صنفت شركة IBM على أنها الشركة الرائدة في منصات برمجيات الذكاء الاصطناعي بحصة سوقية تبلغ 13.7 في المائة في 2020 وبزيادة قدرها 46 في المائة عن العام السابق. أما النوع الثالث، فهو الذكاء الاصطناعي الخارق، وأحيانا يطلق عليه بالمظلم، حيث يتمتع بقدرة ذكاء أعلى من مستوى البشر، وهذا سيخصص له مقال مستقل بمشيئة الله.
أطلقت هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي خلال القمة “مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي” وهذا يمثل حجر زاوية مهما. إن الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم اليوم مفيد بشكل استثنائي لعديد من المهام المختلفة، لكن لا يعني أنه إيجابي دائما لأنه مجرد أداة إذ لو تم استخدامه بشكل ضار أو غير سليم، فبالإمكان أن يتمخض عن ذلك عواقب سلبية وغير مرغوبة. لكن يبدو أنه من غير المحتمل أن يصبح ذلك تهديدا للبشرية، ولذلك جنح العالم نحو ضبط وتوثيق الملف في تشريع أخلاقيات الذكاء الاصطناعي. وربما يكون التحدي الأكبر الذي يواجه الذكاء الاصطناعي هو الحاجة إلى التوفيق بين حاجة الذكاء الاصطناعي إلى كميات كبيرة من البيانات مع حق الإنسان في الخصوصية، حيث يتعطش الذكاء الاصطناعي إلى البيانات الكبيرة بشكل مباشر، التي تعمل ضد تشريعات وثقافة خصوصية البشر الحالية. إضافة إلى تهديد الخصوصية، يتمثل تهديدا كرامة الإنسان والسلامة من قبل الذكاء الاصطناعي، ولذلك سيكون تشريع أخلاقيات الذكاء الاصطناعي نقطة فاصلة في تجنب والحد من هذه التحديات والتهديدات. أما على الجانب المؤسسي، فلا يخلو الأمر كذلك من تحديات في تطبيق الذكاء الاصطناعي، ومنها سرية البيانات وأمنها وانعدام الثقة بالتقنية وقدرة الحوسبة على استيعاب توسع الذكاء الاصطناعي. ومنها كذلك عدم وجود خلفية نظرية متكاملة للذكاء الاصطناعي إلى جانب نقص الخبرات الذاتية والمواهب والملكات الإبداعية، ومنها وجود بنية تحتية قديمة تحتاج إلى تحديث مستمر، ما يضع ميزانية المنظمة تحت ضغوط مالية مكلفة.
في الختام، يشكل الذكاء الاصطناعي مستقبل البشرية في كل صناعة تقريبا، لأنه هو بالفعل المحرك الرئيس للتقنيات الناشئة، مثل البيانات الضخمة والروبوتات المتحركة وإنترنت الأشياء التي ستستمر في العمل والأداء كمبتكر تقني في المستقبل المنظور. لكن لا بد من معالجة التحديات المحلية والاستعداد لبناء القدرات الوطنية والتوسع فيها – وهذا مشاهد من خلال إقامة برامج دبلوم ودراسات عليا في الذكاء الاصطناعي – وتشجيع الشركات المحلية على تبني وتطبيق تقنية الذكاء الاصطناعي، وإطلاق جائزة لأفضل شركة محلية تتبنى تقنية الذكاء الاصطناعي في خططها، وجوائز مماثلة لأفضل مشاريع محلية في الذكاء الاصطناعي في الجامعات ومراكز البحث الوطنية، وقد تتوسع الجوائز إلى الأفراد والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، إضافة إلى إشراك محتويات عامة عن الذكاء الاصطناعي في مناهج التعليم. وأخيرا نتطلع قدما إلى القمة العالمية الثالثة للذكاء الاصطناعي في العام المقبل، لكي نرسم معا مستقبلا واعدا من خلال تقنية الذكاء الاصطناعي، يجسد اهتمام المملكة وتطلعها لأن تكون نموذجا رائدا في بناء اقتصاد المعرفة لخدمة الأجيال الحاضرة والمستقبلة وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.