نزعنا أكثر من 300 ألف لغم في اليمن
كشف المدير العام لـ”مسام” الهادف لنزع الألغام من الأراضي اليمنية، أسامة القصيبي، تفاصيل المشروع وآليته والفرق العاملة فيه، وذلك في حوار مع “العربية.نت”.
– هل لك أن تعطينا لمحة تعريفية عن أسامة القصيبي؟ وعن محطاتك العلمية والعملية؟
بدأت عملي في مجال نزع الألغام إبان حرب الخليج عندما جمعتني الصدفة بخبير الألغام والمتفجرات البريطاني غاي لوكس، الذي يُعد واحداً من أفضل 5 خبراء ألغام ومتفجرات على مستوى العالم. ولمدة 10 سنوات كنت في ذلك الوقت الوحيد الذي يتعلم منه ويكتسب هذه الخبرة الكبيرة، فكان دخولي لعالم الألغام من أوسع أبوابه.
ومنذ ذلك الحين، كرست حياتي للمساهمة في عمليات نزع الألغام في العديد من دول العالم، حيث عملت مع الأمم المتحدة في جنوب لبنان في أكتوبر 2001 كأول عربي حاصل على شهادة إدارة عمليات نزع الألغام من الأمم المتحدة.
وفي ديسمبر 2017، قمت بإدارة مشروع “مسام” لإزالة وتطهير الأراضي اليمنية من الألغام والذي لا يزال يعمل للعام الخامس على التوالي داخل الأراضي اليمنية دون انقطاع لأي ظرف كان.
– كيف جاءت فكرة “مسام” ومتى بدأت؟
جاءت فكرة مشروع “مسام” لمساعدة الشعب اليمني للتغلب على المآسي الناجمة عن انتشار الألغام والعبوات الناسفة في العديد من المحافظات اليمنية وتمكينه من العيش بسلام. ولأن هذا المشروع سيخدم المواطن اليمني ويضمن له الأمن والأمان، انطلق المشروع في منتصف يونيو 2018 تحت مظلة مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لنزع الألغام في اليمن بخبرات سعودية وخبراء عالميين وكوادر يمنية دُربت على إزالة الألغام التي زرعتها ميليشيات الحوثي بشكل عشوائي في الأراضي اليمنية بمختلف أشكالها وصورها.
– ما هي أهداف المشروع وما الذي تطمحون له من خلاله؟
مشروع “مسام” حياة بلا ألغام، هذه الجملة تُلخص هدف المشروع ألا وهو تطهير الأراضي اليمنية من الألغام. فهو في المقام الأول مشروع إنساني يهدف لنزع وتدمير الألغام والذخائر غير المنفجرة التي أودت بحياة الكثير من المدنيين العزل والأطفال والنساء. يضم المشروع العديد من الفرق المتمرسة لنزع وتدمير الألغام والعبوات الناسفة من الأراضي اليمنية. هناك ما يزيد عن 550 خبيرا ونازعا للألغام وموظفا، يعملون بكل دقة لروح الفريق لتحقيق هدف المشروع بتطهير أرض اليمن من الألغام المنتشرة بشكل كبير وواسع في مختلف المحافظات اليمنية.
– بالأرقام.. هل بالإمكان أن تلقي الضوء على عدد الألغام والأجسام التي تم نزعها وإتلافها منذ بداية المشروع حتى الآن، وما هي أنواعها إن أمكن؟
تمكنت الفرق الهندسية لـ”مسام” منذ بدأ المشروع في منتصف يونيو 2018 بنزع 358,863 لغماً وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة حتى الآن تتمثل في 213,930 ذخيرة غير متفجرة و7467 عبوة ناسفة و131,890 لغماً مضاداً للدبابات و5,576 لغماً مضاداً للأفراد. كما تمكنت الفرق الهندسية من تطهير 38,487,863 متراً مربعاً من الأراضي في اليمن كانت مفخخة بالألغام والذخائر غير المنفجرة.
وجميع تلك الألغام والعبوات الناسفة والقذائف تم نزعها من قبل فرق “مسام” الهندسية منذ انطلاق المشروع في 11 منطقة يمنية وهي: صنعاء، الجوف، شبوة، مأرب، الحديدة، تعز، عدن، البيضاء، صعدة، الضالع، لحج.
كما تتعامل فرق “مسام” مع نوعين من الألغام الأرضية المتعارف عليها، والألغام المحلية التي تعمل الميليشيات على صناعتها في المعامل الخاصة بها بأحجام وأشكال وأهداف مختلفة وتمثل 85% من إجمالي الألغام المنزوعة، حيث تعتبر غالبية الألغام المحلية الصنع من أخطر الألغام كونها تستخدم كألغام فردية معدة للانفجار تحت أدنى ضغط، وهي عدة أنواع منها :الألغام الفردية التي يتم إشراكها بدوائر كهربائية ويتم زرعها على مداخل القرى والمناطق المأهولة بالسكان.
أما الألغام الدواسة فهي ألغام أرضية مخصصة للعربات تم تحويلها من قبل الميليشيات إلى ألغام فردية شديدة الخطورة.
كما تتعامل فرق المشروع مع العبوات الناسفة التي تم تطويرها وتمويهها من قبل الميليشيات الانقلابية على شكل أحجار وخرسانات حديدية وغيرها من الأشكال المألوفة والخادعة. ومن الغرائب أن الميليشيات حولت علب الفول إلى متفجرات حيث تضع قطع حديدية وكمية من البارود وحشوة متفجرة متصلة بكبسولة كهربائية تنفجر بمجرد الاقتراب منها. بالإضافة إلى تمويه العبوات الناسفة على شكل صخور مفخخة أو جذوع نخل متفجرة ووضعها في مزارع المواطنين.
ويتعامل أيضاً المشروع مع عبوات ناسفة في إطارات السيارات وتم نزع كميات هائلة من الألغام المموهة والخطيرة شديدة الانفجار. ومن ضمن الأشكال الخطيرة التي تستخدمها الميليشيات الانقلابية في الآونة الأخيرة الألغام القفازة أو ما يعرف بالألغام الانشطارية وهي من الألغام المرتدة المضادة للأفراد.
– كيف تختار فريقك في مشروع “مسام” وما هي الخبرات التي تشترطها فيهم؟
مشروع “مسام” مكون من 32 فريقا بخبرات عالمية وفرق محلية يمنية وبإشراف سعودي. جميع الفرق دربت لإزالة الألغام التي زرعتها الميليشيات الانقلابية بطرق عشوائية في الأراضي اليمنية، فهناك فرق خاصة لإزالة الألغام، وفرق التدخل السريع لإزالة العبوات الناسفة، وفرق خاصة للكشف عن المتفجرات وتدمير كل ما يتم نزعه من الألغام والعبوات غير المتفجرة حتى لا تتمكن أي جهة من إعادة زرعها، بالإضافة لفريق الدعم اللوجستي الذي يعمل على مدار الساعة للتجهيز لأعمال المشروع ليكون دائماً على أهبة الاستعداد لتنفيذ المهمات الميدانية، وأيضاً فريق المكتب الإعلامي الذي يهتم بإيصال رسالة المشروع وبنقل أخبار المشروع للعالم بكل صدق وشفافية واحترافية. وجميع هذه الفرق تعمل يداً بيد وباحترافية عالية لتحقيق غاية المشروع والوصول لهدفه في جعل الأراضي اليمنية خالية من الألغام وبيئة آمنة على حياة المدنيين.
– ما هي التحديات التي واجهتموها في “مسام”؟
نواجه بعض العقبات كغيرنا من الجهات المختصة في نفس المجال. فنحن اليوم لا نواجه عمليات نزع الألغام بالمعنى التقليدي، وإنما نواجه حرب ألغام وعبوات ناسفة نتعامل معها بتقنيات حديثة وبتدريب مستمر للفرق للتعامل مع الألغام المموهة والجديدة والمتطورة باستمرار والمزروعة عشوائياً على مساحات واسعة وبأعداد تصل إلى مئات الآلاف وفقاً للمعايير الدولية المتعلقة بنزع الألغام. فمثلاً الألغام التي زرعت العام الماضي اختلفت اليوم وأصبحت أحدث وأكثر تطوراً وتعقيداً عن مثيلاتها في الأعوام الماضية. ففي محافظة شبوة وجدنا ألغاماً نراها للمرة الأولى بحجم أكبر من أي ألغام وجدناها في اليمن من قبل. وكذلك فيما يتعلق بالعبوات الناسفة. فالعدد المهول الذي زرع في الأراضي اليمنية رقم لا يصدقه عقل، وجميعها كانت مصنعة بطريقة احترافية والتي بعضها تحتوي على أجهزة التحكم عن بعد، وبمواد مستوردة وتكنولوجيا عالية في الصنع.
كذلك واجهنا تحديات العشوائية في زراعة الألغام الأرضية المشركة والمفخخة والعبوات الناسفة مع غياب تام للخرائط للمناطق الملغومة، بالإضافة لتحويل كلما لا يمكن توقعه إلى قنابل محلية الصنع وبطريقة معقدة ومختلفة، وأيضاً عدم القدرة للوصول لبعض المناطق بسبب استمرار العمليات العسكرية في هذه المناطق والتي بالتأكيد سوف نستجيب لها فور إيقاف هذه العمليات.
– هل من الممكن أن تذكر موقف تعرضت له أثناء قيامك بعملك في “مسام” لا يمكن نسيانه؟
في كل مرة يُستشهد أحد من زملائي في عمليات إزالة وتطهير الأراضي من الألغام أفقد جزءاً من نفسي ويبقى الموقف عالقاً في الذاكرة لا يمكن نسيانه على مر السنين.
– نحن نعلم أن نزع الألغام عمل في غاية الخطورة وفي حال لم يتم التعامل معه بشكل صحيح قد يؤدي إلى خسائر في الأرواح، هل تعرض فريق العمل لخسائر بشرية أو إصابات جراء نزع الألغام؟
مجال نزع الألغام خطر ونحن نعلم خطورة هذا الموقف. ففي كل يوم تنزل فيه إلى الميدان تكون عرضة لأن تفقد حياتك أو تتعرض لإصابة قاتلة أو إعاقة دائمة. لكن عندما تعرف أنه في كل عبوة أو ذخيرة غير منفجرة يتم تدميرها يكون في مقابل ذلك حياة تنقذها على أرض الواقع يكون الهدف الأسمى والأنبل هو سيد الموقف.
فمنذ بداية المشروع عام 2018 تسببت عمليات إزالة الألغام في وفاة 30 من العاملين في “مسام” بينهم 5 خبراء أجانب، فيما أصيب 52 آخرون أثناء أدائهم واجبهم في نزع الألغام.
– من يقف وراء جريمة زراعة الألغام؟
الميليشيات الانقلابية هي من قامت بزراعة هذه الألغام والعبوات الناسفة، وقيامها بهذا العمل اللاإنساني هو بهدف إيقاع الأذى والقتل لأكبر عدد ممكن من الأشخاص المدنيين العزل والأبرياء من أطفال وشيوخ ونساء، وكذلك إفساد الأرض والممتلكات وقتل الحيوانات حتى.
وعلى سبيل المثال، هناك مناطق وقرى في بعض المحافظات محاطة بالألغام فأصبح سكانها محاصرين بها، ولا يستطيعون الخروج من قراهم، فهذا بحد ذاته إجرام في حق الإنسانية.
– هل هناك تعاون معكم من الجانب اليمني في تطهير الأراضي ونزع الألغام؟
هناك تعاون وشراكة بين “مسام” والبرنامج الوطني اليمني لنزع الألغام “يمك” لإنقاذ أكبر عدد من أرواح الأبرياء من خطر الألغام والعبوات الناسفة في المحافظات المحررة في اليمن. كما يوجد الكثير من اليمنيين العاملين في مجال نزع الألغام بكوادر مدربة تابعة لفرق مشروع “مسام” والذي أثبت فيها النزاع اليمني جدارته واحترافيته في ميدان نزع الألغام. كما ساهمت سمعة المشروع وجهوده في الداخل اليمني في تفاعل اليمنين مع المشروع وإبلاغهم عن المناطق الملغومة ومساهمتهم وحرصهم على وجود هذا المشروع الذي يوفر ويضمن لهم حياة آمنة خالية من الألغام.
– هل هناك رسالة توجهها في ختام الحوار؟
المملكة العربية السعودية عبر تاريخها الحافل مستمرة بمسيرة العطاء والجهود الإنسانية الضخمة وغير المسبوقة في مد يد العون والمساعدات في مختلف المجالات في الداخل والخارج، مما جعلها تحتل مركزا مهما في قلب العالم لدعم المشروعات الإنسانية ومساعدة المتضررين في الحروب والكوارث على مختلف الجهات، وأيضاً حرصها الدائم في دعم الاستقرار والسلام للمنطقة، ومساعدة اليمنيين للتخلص من الدمار والإرهاب المتمثل في الألغام المزروعة والمنتشرة بشكل واسع في المناطق اليمنية.