هل تطيح القروض الضخمة بإمبراطورية ثاني أغنى رجل في العالم؟
في أحد أمسيات شهر أغسطس في نيودلهي، بدأت هواتف الصحافيين تضج بالرسائل. كان تكتل الملياردير الهندي غوتام أداني قد أطلق للتو محاولة للاستحواذ على محطة إذاعية ذات نفوذ في العاصمة.
قطب البنية التحتية يقوم بإجراء عمليات استحواذ جريئة ومكلفة في مجالات متنوعة. مع ذلك، فإن محاولاته لامتلاك تلفزيون نيودلهي أثارت القلق لدى الصحافة الهندية، وأعادت إشعال المخاوف بشأن تقلص الحريات في البلاد، خاصة وأن محطة نيودلهي هي واحدة من عدد قليل من المحطات التي تضم عدداً من المذيعين الرئيسيين في الهند والذين غالبًا ما ينتقدون رئيس الوزراء ناريندرا مودي. لكن أداني البالغ من العمر 60 عامًا يعتبر أحد أقرب الحلفاء لرئيس وزراء الهند.
في المقابل، كان رد فعل المستثمرين أكثر حماسة، حيث كسب سهم تليفزيون نيودلهي أكثر من 50% في الأيام التي أعقبت الإعلان. وفي الوقت نفسه، بدأت الأسواق تهتف لرجل الأعمال، حيث يراهن المستثمرون على قدرة الصناعي العصامي على تنمية أعماله في القطاعات التي أعطاها رئيس الوزراء الهندي الأولوية.
وفق شبكة “سي إن إن”، يقول تيم باكلي، مدير مؤسسة كلايم إنرجي فاينانس ومقرها سيدني: “كان أداني ذكيًا للغاية.. لقد جعل مصالحه التجارية تتماشى مع مصالح الهند واهتمامات رئيس وزراء الهند”.
ثاني أثرياء العالم
تشير بيانات “رفينيتيف”، إلى أن أسهم شركات أداني السبع المدرجة – في قطاعات من الموانئ إلى محطات الطاقة – ارتفعت بين 10% إلى 260% منذ بداية هذا العام، مع تضاعف قيمتها تقريبًا خلال الأشهر التسعة الماضية. نتيجة لذلك، أصبح “أداني” لفترة وجيزة ثاني أغنى رجل في العالم في سبتمبر، متجاوزًا مؤسس أمازون جيف بيزوس.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يحتل فيها شخص من آسيا مرتبة عالية في قائمة أثرى أثرياء العالم، التي طالما هيمن عليها رواد الأعمال “البيض” في مجال التكنولوجيا.
وأضاف جيمس كرابتري، المدير التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في آسيا: “تمزج وصفة أداني للنجاح بين التنفيذ القوي للمشروع والتسامح الشديد مع المخاطرة ومستويات الديون المرتفعة.. وكل ذلك دعمته الروابط السياسية الوثيقة في نيودلهي”.
وأشار إلى أن “السرعة التي صعد بها الملياردير إلى قمة سلم الثراء الفاحش محيرة للعقل.. فعندما بدأ الوباء في العام 2020، قدرت ثروته بحوالي 13 مليار دولار، وبعد عامين، بلغت ثروته 125 مليار دولار”.
لكن جزءاً كبيراً من ثروته مرتبط بمجموعة “أداني” مترامية الأطراف، والتي أسسها منذ أكثر من 30 عامًا. وأنشأت المجموعة، التي تبلغ قيمتها ما يقرب من 220 مليار دولار، شركات في قطاعات من الخدمات اللوجستية إلى التعدين، والتي ازدهرت جميعها في السنوات الأخيرة. كما توسع بشكل مذهل وانتقل إلى مجالات متنوعة مثل الوسائط ومراكز البيانات والمطارات والأسمنت.
أضاف كرابتري: “حتى في الهند، حيث نما الأثرياء بشكل هائل من حيث العدد، فإن سجل تراكم ثروة أداني غير عادي”. لكن هذا النمو يأتي مع مخاطر كبيرة.
نهم الاقتراض
أشار كرابتري إلى أن أداني أصيب بنهم الاقتراض، وبالفعل تمكن من الحصول على تمويلات بقيمة 30 مليار دولار، مما يجعل شركته واحدة من أكثر الشركات المثقلة بالديون في البلاد. ويشعر المحللون بالقلق، خاصة في وقت يتم رفع أسعار الفائدة على مستوى العالم.
وفي الهند، ارتفع السعر الرئيسي أربع مرات منذ مايو الماضي إلى مستوى 5.9%. ويقول محللون، إن صعود أداني يعتمد بشكل كبير على الرأسمالية والمحسوبية، ويتساءلون عما إذا كانت إمبراطوريته ستبقى سالمة إن حدث تغيير في السلطة بنيودلهي.
كيف بدأ رحلة المليارات؟
في الوقت الحالي، تتم مقارنة أداني، المتسرب من الكلية في بداياته، في بعض الأحيان برجال أعمال مثل “روكفلر”، و”جليديد إيج” الذي بنى أعمالًا احتكارية ضخمة في القرن التاسع عشر.
بدأ أداني، بصفته رائد أعمال من الجيل الأول، مسيرته المهنية في تجارة الألماس، قبل أن يؤسس شركة لتجارة السلع الأساسية في العام 1988. وبعد فترة وجيزة، أطلقت الهند إصلاحات رائدة، والتي عززت نموها الاقتصادي، فزاد أداني ثروته. وفي العام 1994، أصبحت شركة تجارة السلع أولى شركاته المدرجة في بورصة مومباي.
بعد عام، بدأ أداني تشغيل ميناء “موندرا” في ولاية غوجارات، وهي ولاية في غرب الهند ينحدر منها رجل الأعمال ورئيس وزراء الهند. ويُعد ميناء موندرا، الذي يُطلق عليه غالبًا “جوهرة التاج” للمجموعة، أكبر ميناء تجاري في البلاد من حيث الحجم.
وتعمل شركة تجارة السلع كحاضنة لأعمال أداني، حيث تحولت الشركة مع الوقت إلى لاعب كبير في سوق الأوراق المالية بعدما تصدرت قطاع تجارة السلع في الهند.
كما يمتلك أداني أكبر مشغل موانئ خاص في الهند، وأكبر منتج خاص للطاقة الحرارية في البلاد. إنه ليس فقط واحدًا من أكبر مطوري ومشغلي مناجم الفحم في الهند، ولكنه يدير أيضًا منجم “كارمايكل” للفحم المثير للجدل في أستراليا، والذي واجه معارضة شرسة من قبل نشطاء تغير المناخ الذين يقولون إنه “حُكم بالإعدام” على الحاجز العظيم للشعاب المرجانية.
في بعض القطاعات، أصبحت شركة أداني رائدة من خلال عمليات الشراء الاستراتيجية. ففي مايو الماضي، باعت شركة “هولسيم” شركة الأسمنت الهندية إلى أداني مقابل 6.4 مليار دولار، مما جعل مجموعته ثاني أكبر شركة لتصنيع الأسمنت في البلاد.
وفي الآونة الأخيرة، أصبح أيضًا أكبر مشغل للمطارات في الهند، وذلك من خلال عمليات استحواذ بعد حملة الخصخصة الحكومية، على الرغم من أنه لم يكن لديه خبرة سابقة في هذا المجال.
وفي حين أن إمبراطوريته مبنية على الوقود الأحفوري، يستثمر رجل الأعمال أيضًا مليارات الدولارات في الطاقة النظيفة، وهو طموح يتوافق مع أهداف المناخ طويلة الأجل للهند.