الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل حقوق الملكية الفكرية
د نورهان موسى
شهد العالم خلال العقدين الماضيين، ولا يزال، نموا تكنولوجيًا هائلًا ومستمرًا لا يتوقف، وتسعى جميع دول العالم بل والشركات ذات الطابع الدولي أو متعددة الجنسيات، لتكون دوما في مقدمة السباق التكنولوجي في كافة المجالات.
وبينما تخطو مصر خطواتها الأولى في مجال التحول الرقمي إلا أنها قد سبقت العديد من الكيانات، سواء دول أو كيانات اقتصادية، في التحول بشكل أكثر شمولية لرقمنة كافة بيانات إدارة المعلومات التي تخدم اقتصادياتهم وسياساتهم، ومع هذا النمو الهائل والسريع، تناول العالم قضية حماية حقوق الملكية الفكرية في ظل مجتمعات تنتج العديد من المؤلفات والمقالات العلمية وبراءات الاختراع بشكل يومي، وقد توصل بشكل قاطع إلى ضرورة حماية ما ينتجه عقل الإنسان من أفكار قبل تنفيذها، لتشجيعه على كثرة الإبداع والابتكار وحمايته من سارقي الأفكار أو حتى المقلدين لها.
وفي ضوء هذا التطور وارتفاع وعي البشرية بضرورة حماية أفكار مبتكريها، كان أبرز ما توصل إليه التطور التكنولوجي في العقد الحالي الذكاء الاصطناعي Artificial intelligence، حيث أصبح محور كافة الأفكار والمشروعات التي تسعى البشرية إلى تنفيذها في مختلف المجالات، الإدارية والعسكرية والطبية وقطاعات التعليم والصحة والنقل وغيرها من المجالات.
فيعتبر الذكاء الاصطناعي، كمثله من الاختراعات، نتاج بحث علمي اعتمد على التراكم المعرفي في تطويره ليصل إلى الصورة الماثل عليها في الوقت الحالي، والتي يستمر خضوعها للتطوير بطبيعة الحال، فقد كان أول استخدام لهذا المصطلح خلال مؤتمر جامعة دارتمورث بشأن الذكاء الاصطناعي في عام 1956، ومنذ ذلك الحين، نشر المبتكرون والباحثون نحو 1.6 مليون منشور يتعلق بالذكاء الاصطناعي وأودعوا طلبات براءات لحوالي 340 ألف ابتكار يتعلق بالذكاء الاصطناعي. وتعتبر أنظمة الذكاء الاصطناعي في الأساس أنظمة تعلم، أي آلات يمكن أن تحسن في القيام بمهمة يؤديها البشر عادة، وذلك بقدر محدود من التدخل البشري أو حتى دون أي تدخل بشرى على الإطلاق.
ومع زيادة عدد الأبحاث والابتكارات التي تعتمد على فكرة الذكاء الاصطناعي، كان لقوانين الملكية الفكرية دور هام في حماية حقوق أصحاب هذه الفكر والابتكارات كغيرها من الابتكارات والاختراعات في مجالات شتى. ولكن تشكل مع الوقت نمط مختلف من العلاقة بين الملكية الفكرية والذكاء الاصطناعي. حيث يعتبر النمط الطبيعي والشائع في علاقة القوانين المنظمة لحقوق الملكية الفكرية بالذكاء الاصطناعي بأنها تحمي كافة التطبيقات والمشروعات الخاصة بها، وهو ما يعزز من استخدامها في كافة المؤسسات مما ينمي ويدعم عمليات التحكم والمراقبة وإتخاذ القرارات من قبل صناع القرار في هذه المؤسسات ودعم عمليات إدارة المعلومات والبيانات وحمايتها من كل أنواع التقليد والإحتيال وعمليات التلاعب.
أما النمط غير الشائع فهو حماية حقوق الذكاء الاصطناعي نفسه وليس ملاكه أو صناعه من المبرمجين، فأنظمة الذكاء الاصطناعي اليوم تعمل على التعلم الذاتي، حيث أنها تستقبل كما هائلا من البيانات، ولديها قدرة فائقة في التحليل ومن ثم إيجاد الحلول بالشكل الذي يتناسب مع طبيعة المهمة الموكلة إليها، ومع التطور أصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على التعلم المستمر وهو ما يجعله قادرا على الابتكار وخلق حلول ابداعية لما يواجهه من عقبات، الأمر الذي يأتي التساؤل معه عمن يستحق حماية حقوقه الفكرية الآن، هل هو مالك التطبيق أو صاحب الفكرة أم المبرمج الذي صنع التطبيق أم الذكاء الاصطناعي الذي حلل البيانات وتوصل لنتائج وحلول مبتكرة؟
لم يستطع أحد حتى الآن حسم الإجابة عن هذه التساؤلات، وهو ما يشير إلى إمكانية تصور تخطي الفكرة التقليدية التي تقصر حماية حقوق الملكية الفكرية على الجنس البشري خاصة في ظل التطور المتسارع للتكنولوجيا لتتصدر المشهد في بعض الأحيان.
فلم يعد التفكير والتحليل قاصرًا على أصحاب العقول البشرية وإنما ظهرت عقول إلكترونية قد تغير الأساس الذي تقوم عليه حقوق الملكية الفكرية ومن ثم الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية داخل الدول.