الذكاء الاصطناعي يتفوق على التقييم السريري في توقع حالات الانتحار
تريند الخليج – متابعات
مع تزايد الاعتماد على أدواته في مختلف القطاعات والمجالات، يشق الذكاء الصناعي (AI) طريقه بهدوء في تخصص طبي غاية في الأهمية والدقة هو الصحة العقلية، وتحديدا فيما يتعلق بمهمة توقع حالات الانتحار.
على مدار الـ50 عاما الماضية، كانت الطريقة المعتمدة لتوقع حالات الانتحار هي التقييم السريري الذي يجريه المختصون الصحيون، لكن مع زيادة الاهتمام العالمي في التحول الرقمي بدأت تجربة الذكاء الاصطناعي في هذا المجال الطبي الدقيق.
وكانت المفاجأة أن الذكاء الاصطناعي لم يقم فقط بمهمة التقييم السريري بل تفوقت نتائجها على نظيرتها التقليدية بشكل لافت، لكن على الرغم من ذلك لم يخل الأمر من مخاوف حول التسرع في اعتماد تلك التقنية بشكل منفرد في توقع حالات الانتحار.
والذكاء الاصطناعي هو سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها.
تفوق لافت
وفي هذا الصدد، كشفت نتائج دراسة حديثة، عن تفوق الذكاء الاصطناعي، على التقييم السريري الذي يجريه المختصون الصحيون في توقع حالات الانتحار في بريطانيا بعد استعراض نتائج الطريقتين لحالات على مدار 19 عاما، وفق موقع “ذا كونفرزيشن”.
وأوضح الموقع أن الدراسة أجراها معهد بلاك دوج في جامعة نيو ساوث ويلز، في أكتوبر/تشرين الأول المنصرم.
وبعد مسح 56 دراسة، أجريت في الفترة من 2002 إلى 2021، وجدت دراسة المعهد البريطاني أن الذكاء الاصطناعي رصد بشكل صحيح 66% من الأشخاص المعرضين لمخاطر الانتحار، بينما توقع أن 87% من الحالات لن تقدم على الانتحار.
وبحسب “ذا كونفرزيشن” فإن نتائج التقييم السريري التقليدية التي يقوم بها الصحيون خلال تلك الفترة الزمنية، أعطت نتائج أفضل قليلا من النتائج العشوائية.
ويقصد بالتقييم السريري تلك الطريقة التقليدية (لا تعتمد على الذكاء الاصطناعي) حيث يطرح المختصون الصحيون خلالها أسئلة على المرضى بطريقة متعاطفة ومباشرة وبدون إطلاق أحكام على الأفكار والسلوك الانتحاري (بما في ذلك إيذاء الذات) لاستخلاص تقييمهم.
نجاعة غائبة
والعام الماضي، طور فريق بحثي من جامعة “جونز هوبكنز” في بالتيمور بولاية ماريلاند الأمريكية خوارزمية جديدة تعتمد على التعلم الآلي، يمكنها تحديد المراهقين الذين مروا بأفكار أو سلوكيات انتحارية بدقة عالية.
وتأتي المساعي الرامية للاعتماد على الذكاء الاصطناعي في رصد وتوقع حالات الانتحار بالتزامن مع ارتفاع معدلات الانتحار في بريطانيا وأمريكا، وعدم نجاعة طريقة التقييم السريري في منع هذه الظاهرة.
وفتح مجال التعلم الآلي آفاقًا جديدةً في هذا النوع من البحث العلمي، ليُسهم في نهاية المطاف في تحسين جهود الكشف عن الانتحار، إذ يعتمد التعلم الآلي على تحليل البيانات من خلال بناء النموذج التحليلي بشكل تلقائي.
ويعتبر التعلم الآلي أحد فروع الذكاء الاصطناعي القائمة على فكرة أن الأنظمة يمكنها التعلم من البيانات وتحديد الأنماط واتخاذ القرارات بأقل تدخل بشري.
وذكر “ذا كونفرزيشن” أن ربع المنتحرين في بريطانيا، كانوا على اتصال بأخصائي صحي خلال الأسبوع السابق للانتحار أو تحدثوا إلى شخص ما خلال الشهر السابق قبل إقدامهم على إنهاء حياتهم. وعلى الرغم من ذلك، كانت هناك صعوبة كبيرة في توقع الحالات المنتحرة عبر التقييم السريري (لا تعتمد على الذكاء الاصطناعي).
وسجلت بريطانيا خلال العام الماضي، 5219 حالة وفاة عن طريق الانتحار، فيما ينتشر الانتحار بين الرجال أكثر بثلاث مرات من النساء، وقد ازدادت هذه الفجوة بمرور الوقت.
تحديات ومخاوف
لكن على الرغم من هذه النتائج الواعدة، فإن ثمة مخاوف وتحديدات لا تزال تواجه الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بنسبة 100% في مجال الصحة العقلية، رغم توسع نطاق استخدامه في العديد من المجالات الطبية الأخرى.
ولفت الموقع إلى أنه على الرغم من توسع نطاق الأبحاث التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات الطبية مثل الكشف عن السرطان وغيرها، لكن نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بالصحة العقلية لم تُستخدم بعد على نطاق واسع في التجارب السريرية.
وأوضح الموقع أن الدراسة التي أجراها معهد بلاك دوج أظهرت نتائج واعدة، ولكن بالنظر إلى أن 50 عاما في اعتماد التقييم السريري لمخاطر الانتحار جاءت بنتائج أفضل من العشوائية بقليل، فإن ذلك يطرح تساؤلات عما إذا كان علينا الوثوق في الذكاء الاصطناعي.
وعقب الموقع: “عندما يعطينا تطور جديد تقييمات أفضل لمخاطر الانتحار، فقد يكون من المغري التوقف عن طرح الأسئلة. لكن من غير الممكن تحمل التسرع أو الاندفاع في الاعتماد على التكنولوجيا”.