الذكاء الاصطناعي وبيان الرياض 2022.. رؤية عالمية للتعاون الرقمي نسخة ثانية بمخرجات متميزة
تريند الخليج – متابعات
باكو:«الذكاء الاصطناعي لخير البشرية» شعار عبر عن مستهدفات المملكة العربية السعودية للدعوة إلى عقد قمة عالمية للذكاء الاصطناعي، إذ عكس هذا الشعار رؤية المملكة في كيفية الاستفادة من الجوانب الإيجابية من الذكاء الاصطناعى وتعظيمها والحد من مخاطره وتداعياته، وقد حملت النسخة الثانية من هذه القمة التي عُقدت بالعاصمة السعودية الرياض على مدى ثلاثة أيام (13-15 سبتمبر/ أيلول 2022) ذات الشعار، حيث تنظم القمة تحت رعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، وذلك بحضور أكثر من 10 آلاف شخص و200 متحدث من 90 دولة، يمثلون صانعي السياسات في مجال الذكاء الاصطناعي ورؤساء كبرى الشركات التقنية في العالم، فضلا عن مشاركة واسعة من وزراء وممثلين من القطاعين العام والخاص في المملكة، يلتقون مع خبراء التقنية في العالم ليقدموا خبراتهم ورؤاهم بشأن الذكاء الاصطناعي وتأثيراته في 100 جلسة وورشة عمل بجانب مناقشة تقنيات الذكاء الاصطناعي واستخداماتها من الواقع الحاضر، وقد صاحب عقد هذه القمة إقامة معرض وعروض مختلفة تسلط الضوء على أحدث الأبحاث والتقنيات في مجال الذكاء الاصطناعي، مع اكتشاف الفرص الاستثمارية المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي خلال المرحلة المقبلة.
في ضوء هذه الخطوة المتعلقة ببناء المستقبل وتلبية متطلباته، يستعرض التقرير رؤى المملكة بشأن الذكاء الاصطناعي بصفة عامة ومخرجات القمة العالمية في نسختها الثانية على وجه الخصوص، وذلك من خلال ثلاثة محاور:
مستهدفات وطموحات
في خضم الرؤية الطموحة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تلك الرؤية التي تستهدف وضع المملكة في مصاف دول العالم المتقدم بحلول عام 2030، من خلال الوصول إلى مكانة متقدمة في مختلف المؤشرات العالمية، وخاصة مؤشر التنافسية العالمي بما يعزز من ممكنات المملكة لتحقيق أولوياتها الوطنية، يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا ومركزيًا في تحقيق هذه الرؤية كونه العنوان الأبرز في عديد الموضوعات المتعلقة ببناء المستقبل مثل بناء المُدن الذكية وإنترنت الأشياء وأنظمة المساعدة الشخصية وروبوتات خدمة العملاء والدردشة الآلية والأنظمة الخبيرة وأنظمة التشخيص الطبي والرؤية الحاسوبية وأنظمة التفاعل الصوتي وغيرها العديد من المواضيع الأخرى.
ومن هذا المنطلق، حظي الذكاء الاصطناعى باهتمام واسع المدى من القيادة السعودية التي أسرعت بإنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) لتتولى قيادة التوجه الوطني للبيانات والذكاء الاصطناعي لتحقيق رؤية المملكة في الوصول إلى الريادة ضمن الاقتصادات القائمة على البيانات، وهو ما يتطلب توحيد الجهود الوطنية والمبادرات الخاصة في في هذا المجال للعمل ضمن توجه وطني لتحقيق الاستفادة المثلى، ولذا، قامت «سدايا» بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، تمحور توجهها الاستراتيجي في ثلاثة مرتكزات، هي: دعم القدرات الوطنية (2021-2025)، بناء القدرات المتخصصة (2025-2030)، قطاع منافس ريادي (2030). وتحددت رؤيتها في جعل أفضل ما في البيانات والذكاء الاصطناعي واقعا معاشا، من خلال العمل عبر مجموعة من المقومات هي:
- الطموح، أن تكون المملكة نواة لشبكة كبيرة من الشركاء على الصعيدين المحلي والعالمي.
- الكفاءات، أن تصبح المملكة مورداً مستداماً للكفاءات المحلية والقوى العاملة في المجال.
- السياسات والأنظمة، أن تصبح المملكة الوجهة الأولى للأطراف الفاعلة في هذا المجال، ذلك من خلال وضع سياسات جاذبة ومشجعة لأعمال وبيئة تنظيمية تحقق إمكاناتهم الكاملة.
- الاستثمار، أن تكون المملكة الوجهة الأفضل من حيث سهولة الاستثمار في الفرص الواعدة والمتميزة في هذا المجال.
- البحث والابتكار، أن تصبح المملكة منصة عالمية لأنشطة البحث والابتكار ذات الأولوية في مواضيع البيانات والذكاء الاصطناعي.
- المنظومة، من خلال توفير بنية تحتية مبتكرة ومحفزة لتمكين تبني وإطلاق قدرات البيانات والذكاء الاصطناعى.
وفي سبيل تحقيق مستهدفات الخطة وطموحاتها، أعطت أولوية لبعض القطاعات؛ بدءا من قطاع التعليم مرورا بالقطاع الحكومي، الصحي، الطاقوي، وصولا إلى قطاع النقل والمواصلات.
مشروعات طموحة ومبادئ ناظمة
شهدت فعاليات القمة إطلاق عديد المشروعات الطموحة، من أبرزها ما يأتي:
- «ذا لاين»، يُمثل هدية من ولي العهد للبشرية في كيفية تخطيط المدن إلى الـ150 سنة القادمة وكيفية تطويع المملكة لحلول الذكاء الاصطناعي والبيانات لبناء المجتمعات المستدامة.
- الممر العالمي للذكاء الصناعي، وهو مشروع استراتيجي أطلقته شركة أرامكو السعودية، حمل وصف «ممر عالمي» انطلاقا من دوره في مساعدة جهود نقل المعرفة وتبادل الأفكار وتقديم الحلول بين المملكة ودول العالم وأرامكو السعودية، وهو عنصر محفز لدعم مثل هذا النشاط المهم. ويهدف هذا المشروع إلى دعم جيل جديد من الشركات السعودية الناشئة في هذا القطاع، حيث يقوم هذا المشروع بأربعة أدوار رئيسية، هي: تأسيس مركز تميز لتطوير حلول الذكاء الصناعي لشركة أرامكو والجهات المهتمة في المملكة بهذه التقنية ذات الآفاق الهائلة، تعزيز جهود تطوير منظومة الملكية الفكرية عالية التأثير المرتبطة بالذكاء الصناعي، تسويق منتجات الملكية الفكرية تجاريًا، تدريب الكفاءات السعودية الشابة وتطويرها في مجالات الذكاء الصناعي.
- مختبر الذكاء الاصطناعي، وهو عبارة عن مركز بحث وتطوير متخصص بما يسمح للجيل القادم من علماء البيانات بالاستفادة من نقل التكنولوجيا بما يؤدي إلى تطوير وابتكار وظائف متميزة للسعوديين الموهوبين لوضع المملكة في مركز الريادة بمجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المنطقة، من خلال تطوير حلول في مجالات المدينة الذكية وذكاء الأعمال التجارية والرعاية الصحية والتعليم، إلى جانب توطين رؤيتها الحاسوبية المتطورة ومنصة للتعلم العميق من أجل إنشاء الملكيات الفكرية المملوكة للمملكة العربية السعودية. ويقوم على إنشاء هذا المختبر كل من الشركة السعودية للذكاء الاصطناعي المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة بالتعاون مع شركة (سنس تايم) الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بالعالم، لإنشاء شركة جديدة في المملكة بقيمة استثمارية تقدر بـ 776 مليون ريال، وذلك لتمويل هذا المختبر.
هذا فضلا عن الخطوة الأكثر أهمية التي أطلقتها المملكة العربية السعودية خلال هذه القمة، والمتمثلة في وضع مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الهادفة إلى تسهيل التطبيق العملي للأخلاقيات أثناء مراحل دورة حياة تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، إذ من شأن هذه المبادئ العمل على دعم مبادرات تنمية البحث والتطوير والابتكار في المملكة، مما ينعكس بدوره على مستوى جودة الخدمات التي تُقدم للأفراد بما يضمن الاستخدام المسؤول لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهو ما أكد عليه رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، عبد الله بن شرف الغامدي، بقوله إن «أخلاقيات الذكاء الاصطناعي ستساعد على تأسيس ممارسات وطنية في جميع القطاعات لدعم تبني الذكاء الاصطناعي للحد من الممارسات الخاطئة المصاحبة لهذه التقنية من خلال تطبيق المبادئ التالية: النزاهة والإنصاف، الأمن والخصوصية، والإنسانية، والمنافع الاجتماعية والبيئية، والموثوقية والسلامة، والشفافية والقابلية للتفسير، بالإضافة إلى المساءلة والمسؤولية». ويذكر في هذا الشأن أن المملكة العربية السعودية كانت من أوائل الدول التي تبنت توصيات أخلاقيات الذكاء الاصطناعي التي اعتمدتها اليونسكو في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 بمشاركة خبراء ومسؤولي 193 دولة من بينهم المسؤولين والخبراء السعوديين.
قراءة في بيان الرياض 2022
مثلت القمة في نسختها الثانية ترسيخا للتوجه السعودي الذي تنطلق به لبناء المستقبل تحت رعاية ولي العهد الذي يحرص على أهمية الاستفادة من هذا القطاع الحيوي؛ لتحقيق التنمية للمملكة العربية السعودية، سعيا إلى أن تصبح المملكة نموذجاً عالمياً رائداً في بناء اقتصادات المعرفة لخدمة الأجيال الحاضرة والقادمة وتحقيقاً لمستهدفات رؤية المملكة 2030. ولذا لم تكن مصادفة أن تستهل القمة افتتاحيتها بعرض حي حمل عنوان «يمكن للبشر أن يكون لهم مستقبل أفضل بفضل الذكاء الاصطناعي»، تضمن سبعة مشاهد تحكي علاقة الإنسان بالذكاء الاصطناعي ومنها أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وقصة التعلم الآلي وكيف يعلم الإنسان الآلة وكيف تصبح بيديه ذكية بحيث تستوعب تعليماته، إضافة إلى كيف تصبح مستقلة وتعمل دون الحاجة إلى مدخلات بشرية إلى أن ينسجم الإنسان مع الآلة من جديد نحو الانسجام في المستقبل.
ولذا، فقد ركزت جلسات القمة وورش عملها على عديد الموضوعات التي تبين انعكاسات الذكاء الاصطناعي على أهم القطاعات الحيوية، منها: المدن الذكية، تنمية القدرات البشرية، الرعاية الصحية، المواصلات، الطاقة، الثقافة والتراث، البيئة، الحراك الاقتصادي، بهدف إيجاد الحلول للتحديات الحالية وتعظيم الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي. كما شهدت توقيع عديد الاتفاقيات بين الشركات السعودية والأجنبية المشاركة في فعاليات هذه القمة التي عقدتها منظمة التعاون الرقمي (DCO) والتي تضم في عضويتها كلا من (السعودية، البحرين، قبرص، جيبوتي، الكويت، المغرب، نيجيريا، عمان، باكستان، الأردن، رواندا)، لتخرج في النهاية ببيان عالمي حمل عنوان «بيان الرياض للذكاء الاصطناعي»، حيث أكد على عدد من الركائز الرئيسية لبناء مستقبل رقمى لخير الإنسانية، تمثل أبرزها فيما يأتي:
- سد الفجوة الرقمية بين القطاع والأفراد من مختلف الأجناس.
- تمكين المجتمعات الأقل حظاً للقضاء على الفقر والجوع من خلال النمو الاقتصادي.
- الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في الدخول في الثورة الزراعية المُقبلة، مع تسهيل وصول الجميع إلى التعليم والرعاية الصحية.
- تعزيز التنمية الرقمية بتوظيف الحلول المبتكرة لبناء مدنٍ مستدامة، وتحسين البنية التحتية عبر تسهيل الاتصال وتوفر الأجهزة التقنية، ودعم الشركات الناشئة المحلية في المجال مالياً، وتنفيذ خطط إعادة صقل المهارات وبناء القدرات الرقمية للأفراد.
- ضمان العدالة وعدم التمييز من خلال الضمانات التي تمنع الخوارزميات من التمييز ضد المجتمعات على أساس العرق أو الدين أو الثقافة وغير ذلك، مع ضمان استخدام التقنية وفقاً للإرشادات القانونية.
- دفع الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال تشجيع الأفراد والمنظمات والدول على التركيز على الابتكار في هذا المجال لصالح الإنسان، وتوفير الأدوات اللازمة لتحقيق هذا الهدف، ومكافحة تغير المناخ باستخدام تقنياته لتعزيز التدابير التي تحافظ على البيئة، والنهوض بقطاع الطاقة الخضراء، وضمان الوصول إلى المياه النظيفة، وزيادة كفاءة الطاقة، وتقليل الهدر والنفايات.
- الإسهام في المبادرات التعاونية الدولية في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير معايير ولوائح عالمية مشتركة للاستخدام الأخلاقي له، والتعاون في الأبحاث المتعلقة به، والعمل مع أصحاب المصلحة لوضع كل هذه الأهداف موضع التطبيق.
نهاية القول إن هذه القمة العالمية التي تنظم اليوم نسختها الثانية بعد عامين على تنظيم نسختها الأولى، إنما تستهدف من خلالها المملكة تحقيق تطلعاتها في الريادة العالمية من خلال الاقتصاد القائم على البيانات والذكاء الاصطناعي، وتأكيد أهمية التعاون الدولي من أجل استخدام الذكاء الاصطناعي لخير البشرية جمعاء، انطلاقا من واقع دولي وإقليمي ومحلي حذر منه رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) الدكتور عبد الله بن شرف الغامدي في كلمته الترحيبية، حينما أشار إلى أن «الفجوة الرقمية بين الدول في ظل التقدم التقني لا تزال تتسع مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأن جزءا من هذه الفجوات نجده حتى داخل الأمة الواحدة»، مشيرا في ذلك إلى تزايد هذه الفجوة على سبيل المثال بين الجنسين، إذ إن دراسة حديثة كشفت عن أن 12 في المائة فقط من باحثي الذكاء الاصطناعي هم من النساء، وهذا وضع لا يمكن أن يكون صحيحا»، مؤكدا في الوقت ذاته على أن أولى خطوات معالجة هذه الفجوة الاتفاق الأخير الذي أبرمته منظمة اليونسكو المتضمن للتوصيات بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وأقرته 193 دولة، والذي يؤكد على المسؤولية الجماعية والمشتركة لجميع الدول في تجسير هذه الفجوة، وتأتي هذه القمة بمخرجاتها ونتائجها لتؤكد على هذا العمل.