مخاوف من صراع مسلح على السلطة في العراق بعد إعلان نتائج الانتخابات
فتحذير رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، الثلاثاء الماضي، من مغبة الخروج عن القانون للاعتراض على النتائج الأولية للانتخابات النيابية المبكرة التي جرت الأحد الماضي قد يفسر حجم المخاوف الشعبية والسياسية في البلاد من اندلاع اقتتال “شيعي- شيعي” مسلح.
© REUTERS / Alaa Al-Marjani
هذه المخاوف ربما عززها فوز التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بالمركز الأول في الانتخابات بأكثر من 70 مقعدا ورفض تحالف “الفتح” (يضم الأذرع السياسية لفصائل الحشد الشعبي في البرلمان وتتهمه واشنطن بالولاء لإيران) النتائج المعلنة من مفوضية الانتخابات العراقية والتي أظهرت خسارته بحصوله على 19 مقعدا فقط (حتى الآن) بعد أن تحصل على 47 مقعدا في الانتخابات السابقة عام 2018.
وكان عضو المكتب السياسي في حركة “عصائب أهل الحق” المنضوي ضمن تحالف “الفتح”، سعد السعدي قد أكد، في تصريح لوكالة “سبوتنيك” الأربعاء الماضي، أنه “ليس لدى المفوضية والحكومة أي خيار سوى تصحيح المسار وإلا سيدخل البلد في نفق مظلم ومشاكل لا يحمد عقباها”.
وقال السعدي، إنه “انطلاقا من المعلومات الدقيقة والتقارير الحقيقية التي أطلعنا عليها ثبت أن هناك تلاعبا حقيقيا في نتائج الانتخابات وأن هناك إهمالا وتقصيرا في أداء عمل مفوضية الانتخابات”.
وأضاف “اتجهنا إلى الطرق القانونية في الطعن على نتائج الانتخابات وعدم القبول بها بهذا الشكل، وقدمنا الطعون والأدلة التي ستكون كفيلة بتغيير نتائج الانتخابات بشكل كبير”.
ورغم دعوات غالبية القوى السياسية العراقية عبر بيانات رسمية بضرورة ضبط النفس وتأكيد تحالف “الفتح” على اللجوء للطرق القانونية في الاعتراض على النتائج الأولية للانتخابات، إلا ان قادة في الحشد الشعبي لا يخفون إمكانية اللجوء إلى السلاح إذا “استهدف الحشد” كما ظهر في أحد مقاطع الفيديو في مواقع التواصل الاجتماعي بالعراق أمس، الأمر الذي زاد من مخاوف تحول الاعتراض إلى صراع مسلح.
ثلاثة كوابح
وفي هذا الصدد استبعد رئيس مركز التفكير السياسي في العراق، إحسان الشمري، في تصريحات لوكالة سبوتنيك، إمكانية اندلاع صراع شيعي- شيعي مسلح في العراق على خلفية نتائج الانتخابات، مؤكدا وجود ما أسماها “كوابح” داخلية وخارجية تمنع اندلاعه.
وقال الشمري “المخاوف من صراع كهذا ستستمر، لكن لا أتصور أنها ستتحول إلى حقيقة خصوصا في ظل وجود ثلاثة كوابح، الأول ويتمثل في الأطراف ذاتها فهي تلوح بسياسة حافة الهاوية فيما تدرك جيدا أنها إذا ما ذهبت إلى خيار السلاح فبالتالي سيكون نهاية لوجودها في العراق”.
وأضاف أن “الكابح الثاني يتمثل في أن إيران لن تسمح لحلفائها من الفصائل المسلحة أن تخوض حربا شيعية – شيعية؛ لأن في ذلك نهاية لنفوذها وبالتالي ستخسر بشكل نهائي الداخل العراقي والشيعة بشكل عام كمكون”، وتابع “الكابح الثالث هو وجود المرجع الديني الشيعي علي السيستاني الذي أيضا سيكون كابحا أمام هذه الأطراف، وبالتالي اعتقد أن ما يجري هو جزء من سياسية حافة الهاوية بأن تذهب الأطراف إلى التصعيد ولكن في النهاية ستلجأ إلى التهدئة”.
ضغط مدروس
ورأى الشمري أن ما يحصل هو نوع من الضغط المدروس في داخل العراق وخارجه للتقليل من مكاسب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر انتخابيا، ومحاولة إيرانية لإعادته إلى “البيت الشيعي” الذي يضم القوى الشيعية السياسية في البلاد.
© REUTERS / Thaier al-Sudani
وتابع “هي سياسة ضغوط قصوى تسمى في العلوم السياسية سياسة حافة الهاوية، وهي أيضا محاولة لحصول هذه الأطراف على مساحة في السلطة التنفيذية حتى رغم خسارتها في الانتخابات ما يعني أن تستمر حالة التوافق ولذلك هذه الضغوط تسير في هذا الاتجاه”.
وأضاف الشمري “الجميع يبحث عن الحصانة، حصانة البرلمان أولا، والحصانة السياسية ثانيا خصوصا وأن تآكل تواجدهم الرسمي على مستوى الانتخابات بما لا يقبل الشك سيقلل من الحصانة السياسية، وبالتالي إمكانية أن يكونوا الحلقة الأضعف أمر وارد وعملية المساءلة والمطالبة بإخضاعهم لقانون إذا ما كانت هناك تجاوزات أو اتهامات ستكون حاضرة ولذلك هم يتشبثون بقضية الاستمرار في المشهد السياسي والحصول على الحصانة السياسية والبرلمانية”.
العراق ليس لبنان
من جهته، عقد رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات الاستراتيجية، أحمد الياسري، في تصريحات لوكالة سبوتنيك، مقارنة بين الوضع في العراق والحالة اللبنانية من حيث امتلاك القوى للسلاح، فاستبعد المخاوف من اندلاع صراع شيعي – شيعي مسلح في العراق.
ورأى الياسري أن “الأمر هو عبارة عن عمليات ضغط متبادلة، فالدولة التي تذهب إلى الانهيار الأمني هي الدولة المنهارة اقتصاديا وهذا الأمر ينطبق على لبنان ولكن لا ينطبق على العراق”.
وأضاف “العراق فقد نحو 30% من مساحة أراضيه في فترة تنظيم داعش الإرهابي (المحظور في روسيا وعدد كبير من الدول)، ولم تسقط الدولة في ذلك الوقت، لذلك العراق فيه حالة من الحصانة في الداخل ومعتاد على موضوع الانفلات الأمني ولكن الانفلات الأمني بالطريقة التي يتخوف منها البعض حاليا فلا أعتقد”.
وتابع الياسري “هناك خصوصية للمشهد العراقي، وتتلخص هذه الخصوصية بموضوع التوازن، لأن جميع القوى في العراق تمتلك السلاح، ليست هناك قوة أقوى من الأخرى كما هو الحال في لبنان، لافتا إلى أن هذا “الأمر يخلق نوعا من التوازن لدى القوى العراقية ويقلل من امكانية اندلاع صراع شيعي- شيعي”.
وأعرب الياسري عن اعتقاده بأن “الصراع الشيعي – الشيعي القادم هو صراع سياسي وصراع مفاهيم بين ولاية الفقيه في إيران والحوزة الدينية في النجف بالعراق خصوصا بعد صعود التيار الصدري في الانتخابات”.
وأضاف “هناك قوى في الداخل أو الخارج العراقي، تدفع باتجاه المواجهة الشيعية- الشيعية في العراق، ولكن بالتأكيد ليست إيران، فإيران في هذا التوقيت تعتبر العراق السلة الغذائية لها وأكثر مستوى تبادل تجاري هو بين العراق وإيران، إيران لديها مشكلة اقتصادية ويهمها أن لا تفتح جبهة العراق وأن يحصل استقرار في العراق، ولكن بعد مرور شهر قد تتغير الاستراتيجية الإيرانية”.
الموقف الأمريكي
وحول موقف الولايات المتحدة الأمريكية مما يجري في العراق حاليا، اعتبر الياسري أن موقف الإدارة الأميركية لا يختلف عن الموقف الإيراني في منع حصول صراع شيعي- شيعي مسلح، مؤكدا أن استقرار العراق جزء من المصالح الأميركية في المنطقة، على الرغم من أن الانتخابات العراقية لم تحظ باهتمام كبير من الإعلام الأميركي.
وتابع الياسري أن “الانتخابات العراقية لم تشهد اهتماما إعلاميا ليس فقط من الجانب الأمريكي ولكن الجانب الإيراني أيضا، وإيران في الانتخابات الماضية كانت هي طرف في الانتخابات وفي هذه الانتخابات كان هادئا الإعلام الإيراني بحسب متابعتي، وكذلك الإعلام السعودي ودول الخليج لم يتدخل أي شخص في الانتخابات وتم ترك الموضوع للمبعوثة الدولية إلى العراق وهم يراقبون من خلف النافذة”.
وأضاف “لا نستطيع أن نفسر ذلك بأنه عدم اكتراث من جانب إيران والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هو عملية ترقب لبناء سياسة أو ستراتيجية قادمة مع التوليفة التي سينتجها المشهد العراقي، ولذلك اعتقد أن أميركا مهتمة جدا بموضوع الاستقرار في العراق لأنه مرتبط بانتشارها العسكري في الشرق الأوسط وبالتفاعلات التي حصلت في موضوع الصراع مع روسيا والصين”.
يشار إلى أن النتائج الأولية للانتخابات، أظهرت بأن الكتلة الحاصلة على أكبر عدد مقاعد في البرلمان هي الكتلة الصدرية بواقع 73 مقعدا، تلتها كتلة “تقدم” العربية السنية بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي بـ (38) مقعدا، فيما جاءت كتلة “دولة القانون” بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في المرتبة الثالثة بحصولها على 37 مقعدا في البرلمان.
** تابع المزيد من أخبار العراق اليوم على سبوتنيك
انتخابات البرلمان العراقي.. ظهور شجاع للمرأة
SputnikNews ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من SputnikNews